أخر الاخبار

رواية نبض أدهم شرقاوي

رواية نبض أدهم شرقاوي

رواية نبض للكاتب ادهم شرقاوي

الآن يا نبض أجد اللحظة مؤاتية لأرتكب خيانتي الأولى لك! قررت أخيراً أن أكتبك! بعض النساء نخونهن إذ نكتبهن يا نبض فتحويل امرأة. مثلك إلى لغة يعتبر خيانة من زاوية ما . . . أنوثتك الطاغية أكبر من أن تُحشر في سطر ، أو تعتقل بنقطة!.

ولكني لم أعد قادراً على حبسك داخلي أكثر . . . فأنت في قلبي كعبوة موقوتة ضبطها مجنون إن لم أخرجها لا أعرف متى تنفجر وتطيح بي! إني بهذا المعنى أحاول أن أتخلص منك.

أرأيت؟ في الأمر خيانة يا نبض! ولكنك تعرفين أني أجبن من أن أحاول التخلص منك . .

لأني أخشى إن تخلصت منك أن لا يبقى مني شيء يا أنا! إني وبعد كل ما حدث أحاول أن أقف على الحد الفاصل بيني وبينك وليس غير الكتابة سبيلي.

أعرف يا نبض أني إذ أكتبك أحمل اللغة فوق ما تستطيع .

الليل في عينيك أكبر من قدرة اللغة ، وهذا السواد كله يعاش ولا يحكى!

والكحل في جفنيك أوسع من مساحة الكلام ، والغمازة.

التي ترتسم على خدك الأيمن حين تبتسمين تُصيب اللغة بارتباك تام ولكنها فكرة تستحق العناء . . . فكان الله في عون لغة أريد منها أن تصير أنت.

طبول الحرب تقرع رواية نبض

تسأليني يا نبض لماذا لا يتقاتل الناس بأخلاق؟! فأضحك وأجيبك : كيف تريدين للحرب أن تُخاض بأخلاق إذا كانت بالأساس عملاً منافياً للأخلاق!.

لطالما كنت ضد الحرب يا نبض لأني أعرف أن كل من يخوضها خاسر لا محالة ، المنتصر والمهزوم على السواء ، الذي ينتصر في الحرب هو الذي يخسر أقل! أو هو الأقدر على تحمل الخسارات ، إنها عض على الأصابع ، سباق بين متألمين أيهما يصرخ أولاً!

أرأيت لننتصر في الحرب علينا أن نخسر أقل . . . أي أن تلحق بالطرف الآخر خسائر أكبر! أي نقتل أكثر مما تقتل هذا هو أسوأ ما في الحرب ، أنها تحولنا إما إلى قاتل أو إلى قتيل! قتيل لا يعرف وجه قاتله ، وقاتل سيتذكر دوماً وجه القتيل.

ولكن بعض الحروب تختارنا ولا نختارها يا نبض ، وهذا شأننا مع هذه الحرب ، لقد اختارتنا فخضناها! لا يمكن للناس أن يهربوا من أقدارهم ولقد كانت هذه الحرب قدرنا!.

في السلم يا نبض لا ينسينا الموت إلا من نقرر أن نتنازل عنهم وهذا بحد ذاته رفاهية!

أما في الحرب فلا نملك أن نختار من نترك وبمن نحتفظ! إنه سيد الحضور والكل على موعد مع الغياب!

حين تكتظ الذاكرة بالراحلين ننسى لنعيش يا نبض ، إنه لأمر مرهق أن تصبح الذاكرة مقبرة فيها من الأموات أكثر مما فيها من الأحياء ، وتصبح كالقطارات.

الناس على متنها مجرد مسافرين ، في كل محطة ينزل البعض ويصعد آخرون ، وليس لدينا وقت لنلوح للذين نزلوا ولا أن نحتفل بالذين صعدوا ، هذا هو أقسى ما في الحرب يا نبض ، أنها تقتل فينا الإنسان!

هناك دوماً استثناء يا نبض البعض حين يصعدون لا ينزلون ، وحتى إذا ترجلوا نتشبث فيهم بأظفار ذاكرتنا وأسنانها ، فمن فرط الحب يصبح البعض نحن!.

ما زلت أكره الحرب يا نبض ، وأقف ضدها بكل ما أوتيت من قدرة على الرفض ، أقف ضدها لأني أعرف أننا مهزومون فيها منذ اللحظة التي خضناها. مهزومون ولو انتصرنا! مهزومون في إنسانيتنا على الأقل ، أو على الأكثر! فما الذي سنعيش لأجله حين نخسر إنسانيتنا؟!

ولكني بالمقابل أعرف أن الحياة المغموسة بالذل كالرغيف المغموس بالدم لا يشتهيه أحد! لهذا أنا في قلبي ضد هذه الحرب كل ضخة دم في تلعنها ، وفي عقلي مقتنع بجدواها!

أتذكرين يا نبض حين قلت لي : محظوظون أولئك الشعراء الذين عثروا على حبيبات جميلات ليكتبوا عنهن! فقلت لك : بل الحبيبات. من المحظوظات إذ تعثرت بهن قلوب الشعراء! كنت بفطرتك في صف النساء! فسألتني : عم سيكتب قيس بن الملوح لو لم تكن ليلى العامرية حبيبته؟! وكنت بفطرتي في صف الرجال ، وبأدبي في صف الشعراء.

یا نبض لم تكن العامرية أجمل بنات القبيلة ، ولا أكثرهن سحراً وفتنة ، ولكنها كانت في قلب شاعر جن بها ، وامتطى صهوة جنونه يسابق. بها في مضمار القصيدة ، فبدت لنا أنها ملكة جمال القبيلة ، بينما الجميلات الأخريات طوتهن الخيام أحياء. والتراب أمواتاً ، بينما كان عمر ليلى من عمر القصيدة ، والقصائد تعيش أكثر مما يعيش الناس! ولم تكن لبنى أجمل بنت خزاعة ، ولكن قيس بن ذريح ألبسها تاج الشعر ، وتوجها على كل الخزاعيات!.

أنا أريد أن أعيشك لا أن أتذكرك

أن أتغزل بك لا أن أرثيك

أن أنظر في عينيك فأثمل ولا يكون عندي متسع لأكتب ،

أحب إلي من كتاباتي كلها ، وإن اسمي في بطاقتك الشخصية

أجمل من اسمي على غلاف كتاب فيه رثاؤك!

ما كان أحد ليختار أن يفقد أحبابه ليكتب أدبه!

صخر كان عند الخنساء أغلى من كل شعرها ، وهي لم

تكن تكتبه وإنما كانت تبكيه شعراً ، فنحن نبكي بالوسيلة

التي تكشف أعمق نقطة في جراحنا!

بدونك وثقي أنهم لو قتلوك فقد قتلوني معك ، كم مرة علي أن أردد على مسامعك المعادلة الحسابية السهلة التي أرددها دومـاً. ، أنا ناقص أنت يساوي لا شيء!

أنت كلي يا نبض وحين يأخذوك مني ، فهذا يعني أنهم أخذوني مني! قلت لي مرة : يشعل الرجال الحرب وتكتوي بنارها النساء! كلامك صحيح للأسف ، لو كان هذا العالم يدار بعقول الرجال وقلوب النساء لكان جنة كالتي فقدناها ذات شجرة محرمة!

والروح التي يؤمنون أنها نتاج المادة ، أثبت الإسلام أن العكس هو الصحيح ، لأن الروح الجديدة ، والعقلية الجديدة التي أنتجت. ابن الهيثم ، والخوارزمي ، وجابر بن حيان ، وابن بطوطة ، وابن خلدون ، وسيبويه ، والخليل ، والآلاف الذين لا يمكن حصرهم ولا عدهم الناس تصنعهم الأفكار لا الأشياء!

أرفع عيني إليك

أتأملك قطعة قطعة

فم صغير كوردة جورية

أنف أنيق كوردة فل

خدان ناعمان كوردة ياسمين

عينان جذابتان كأقحوانة

وجه كباقة

وكل ما فيك يجرجرني لأعترف ، فأقول لك : أحبك

تسكتين لحظة ، وأرى دمعاً حبيساً في عينيك ، تغرورقان

ولا تمطران ، ولكن الدمع يهطل في صوتك ، فتقولين لي :

عدني أني إذا مت أنك ستتزوج وتكمل حياتك ، وتنجب بنتاً

جميلة وتسميها باسمي ، كي تذكرك بي دوماً!

ولا تعود عيناك قادرتان على اعتقال دموعك أكثر ، يسيل

الدمع من عينيك ، وينحدر على خديك ، في منظر مهيب

كأنه جنازة عظيم .

أنزع يدي من بين يديك ، وأمسح الدمع عن خدك ، وأقول

لك : لا أريد لأحد أن يذكرني بك

أريدك أنت . .

كل بنت لن تكوني أمها لا حاجة لي في إنجابها!

طبول الذاكرة تقرع رواية نبض

أطوي الآن صفحة الحرب يا نبض قاتل الله هذه البنادق ، أخذت أحبابنا الذين نعرفهم ، وأوجدت لنا أعداء لا نعرفهم ، هذا هو أحد رزايا الحرب يا نبض ، أن تقتلي شخصاً لا تعرفينه ، أو يقتلك شخص لا يعرفك ، ولو التقيتما تحت. سماء أخرى غير سماء هذه الحرب لربما كنتما صديقين!.

أطوي صفحة الحرب ، وأعوذ بك إلى قريتنا لا تقولي لي : تقصد ما تبقى منها! لأني قررت أن أعود بك إليها وهي على الحال التي تعرفينها ، أقصد التي كنت تعرفينها.

مكان صغير في جغرافيته ، كبير في تاريخه ولطالما كان التاريخ والجغرافيا نقيضين! إذا تضاءل التاريخ اتسعت الجغرافيا! لهذا بالضبط صارت الأندلس تاريخاً ، لأنها لم ت تعد بين أيدينا جغرافيا! لا تضحكي من جاحظيتي ، الاستطراد لعبتك ، ولكثرة مجالستي لك أعديتني!

أرجع بك إلى الناس ، لأن العرب قديماً قالوا : الديار بأهلها وإذا ما كانت الديار بأهلها ، فإن قريتنا بيضاء كحليب الرعاة في الصباح!

الرجال فيهم مسحة حنان رغم صلابتهم والنساء فيهن مسحة فتنة رغم قلة مستحضرات التجميل والصبيان شياطين.

ولكننا كنا نتركهم على سجيتهم لأننا كنا نعرف أن ما ينتظرهم كفيل بتأديبهم! لا أعرف لماذا وأنا أحدثك عن القرية لمع في ذهني وجه عامر!

يقول : جاءت ساحرة شريرة إلى إحدى الممالك ، وقرأت على بئر المملكة تعويذة تقضي أن يصبح كل من يشرب من البئر مجنوناً ،

 فشرب الناس جميعاً إلا الملك والوزير ، ثم إن الناس اجتمعوا وقرروا عزل الملك والوزير لأنهما مجنونين ، وتجمهروا في ساحة القصر منادين بالعزل.

 فما كان إلا أن طلب قدحاً من ماء البئر ، فشرب وناول وزيره ، وصارا من الملك مجنونين كبقية الناس ، وأقيمت الأفراح في الرعية ابتهاجاً أن الملك والوزير قد عادا إلى عقليهما!

محمد الصادق عثمان
بواسطة : محمد الصادق عثمان
محمد الصادق محمد عثمان طالب جامعي في جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -