رواية انتَ لي
توفي عمي و زوجته في حادث مؤسف قبل شهرين ، و تركا طفلتهما الوحيدة ( رغد ) و التي تقترب من الثالثة من عمرها لتعيش يتيمة مدى الحياة.
في البداية بقيت الصغيرة في بيت خالتها لترعاها و لكن نظراً لظروف خالتها العائلية إتفق الجميع على أن يضمها والدي إلينا و يتولى رعايتها.
من الآن فصاعداً أنا و أخوتي لا نزال صغاراً و لأنني أكبرهم سناً فقد تحولت فجأة إلى رجل راشد و مسؤول بعد حضور رغد إلى بيتنا.
كنا ننتظر عودة أبي بالصغيرة (سامر) و ( دانة ) كانا في قمة السعادة لأن عضو جديد سينضم إليهما و يشاركهما اللعب !.
أما والدتي فكانت متوترة و قلقة. أنا لم يعن لي الأمر الكثير, أو هكذا كنت أظن !.
وصل أبي أخيراً قبل أن يدخل الغرفة حيث كنا نجلس وصلنا صوت صراخ رغد !
سامر و دانة قفزا فرحا و ذهبا نحو الباب راكضين "بابا بابا ... أخيراً " !
قالت دانه و هي تقفز نحو أبي و الذي كان يحمل رغد على ذراعه و يحاول تهدئتها لكن رغد عندما رأتنا ازدادت صرخاتها و دوت المنزل بصوتها الحاد.
تنهدت و قلت في نفسي : "أوه ! ها قد بدأنا " !
أخذت أمي الصغيرة و جعلت تداعبها و تقدم إليها الحلوى علها تسكت !
في الواقع لقد قضينا وقتا عصيباً و مزعجاً مع هذه الصغيرة ذلك اليوم. "أين ستنام الطفلة ؟ "
مقتطفات من رواية انتَ لي
أنت لي
كررت جملتها ببساطة و براءة !
لم أتمالك نفسي ، وانفجرت ضحكا
و لأنني ضحكت بشكل غريب فإن رغد أخذت تضحك هي الأخرى !
و كلما سمعت ضحكاتها الجميلة ازدادت ضحكاتي !
سألتها مرة أخرى :
"من أنا ؟ "
"أنت لي"
يا لهذه الصغيرة المضحكة !
حملتها و أخذت أؤرجحها في الهواء بسرور
منذ ذلك اليوم بدأت الصغيرة تألفني و أصبحت أكبر المسؤولين عن تهدئتها متى ما قررت زعزعة الجدران بصوتها الحاد.
كان ذلك في لقائي الأخير بوالدي قبل أن يتم ترحيلي إلى سجن العاصمة حيث سأقضي سنوات شبابي و زهرة عمري فيه ... بدلاً من الدراسة في الجامعة ... و أعود إن قدرت لي العودة خريج سجون بدلاً من خريج جامعات و بمستقبل أسود منتهي بدلا من بداية حياة جديدة و أمل.
سيف ... سيف أنت لا تعلم كم الحياة هنا سيئة ! إنهم يا سيف يضعون الحشرات عمداً في طعامنا و يجبروننا على قضم أظافرنا ... و المشي حفاة في دورات المياه القذرة!.
إنهم لا يوفرون لنا الأشياء الضرورية كالمناديل و شفرات الحلاقة! أنظر كيف أبدو ؟ ألست مزريا ؟ سيف عدا عن ذلك, فهم يضربون و بعنف كل من يبدي استياء" أو يتذمر!
زنزانتي يا سيف ... لا يوجد فيها فتحة غير الباب المقفل ... لا هواء و لا نور إنني مشتاق إلى الشمس ... إلى الهواء النقي ... إلى أهلي ... إلى الحياة .
أبسط الأشياء التي إلى كل شيء حرمت منه تجعلني أحس بأنني بشر ... مخلوق كرمه الله ! إلى فرشاة أسنان نظيفة أنظف بها أسناني.
أرى الناس يخرجون من كل ناحية أفواجا أفواجا، رجالا و نساء و أطفالا .. متخبطين في سيرهم و يركضون باتجاهات عشوائية.. يهيمون على الأرض على غير هدى.. يصرخون و يهيجون و يموجون باعتباط و فوضوية.
و في نواح متفرقة تتناثر مخلفات الدمار .. الحجارة و الأشلاء.. و الجثث.. تحرقها النيران.. و تفوح روائح كريهة لا تستطيع الأنوف إلا إستنشاقها مرغمة.
و كلما انفجر شيء جديد، منزل أو مبنى أو شارع أو سيارة .. صرخت الفتاتان و ارتعشت يداي و انحرفت في سيري جاهلا.. أيهما سيكون الأسرع لتحديد مصيرنا .. قنبلة ما ؟ أم اصطدام ما ؟ أم أن النجاة ستكتب لنا بقدرة من لا تفوق قدرته قدرة، و لا يضاهي رحمته رحمة ..
لم يكن باستطاعتي إلا الاستمرار في طريقي اللامحدد و كما تسير الحية سرنا ذات اليمين و ذات الشمال ننعطف كلما ظهر شيء. أمامنا و نسلك كل تشعب نلقاه حتى انتهى بنا الطريق إلى شارع رئيسي ... حانت مني الآن التفاتة أخيرا إلى اليمين.. فرأيت الفتاة الجالسة إلى جانبي و قد انثنت بجدعها إلى الأمام حتى لامس رأسها ركبتيها و وضعت ذراعيها على جانبي رأسها لتحاشي رؤية أو سماع شيء.. بينما أنفاسها الباكية اللاهثة تكاد تلهب قدمي" الحافيتين.