أخر الاخبار

الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر

كتاب الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر

الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر

يرى ديفيد نايت أن هناك تناقضاً مثيراً للإهتمام في معالجة موضوع القومية في الجغرافيا السياسية (1982-Knight).

فعلی رغم صلتها الوثيقة بحقل الجغرافيا السياسية بما يفوق سائر الحركات السياسية الأخرى فقد جرى تجاهلها كموضوع للبحث, لقد دارت الجغرافيا السياسية التقليدية حول ثلاثية الأرض والدولة والأمة, فالأرض هي «الوطن الأصلي» أو «أرض الآباء» المشبعة بكل رموز القومية والدولة تصبح «الدولة القومية» بوصفها التعبير المثالي عـن الإرادة السياسية للقومية.

ومن ثم فإن مرجع الغرابة في هذا التساؤل هو أن عدد الدراسات حول القومية حتى وقـت قريب كان هزيلاً, إذا قورن بالإسهامات الكبرى لكتاب مثل ماكيندر في مجال الجيوبولوتيكا، أو هارتشورن في الدولة الإقليمية.

وللوهلة الأولى قد يبدو هذا الحكم صحيحاً ولكن الواقع أن موضوع القومية لم يكن غائباً عن أذهان الباحثين مقارنة بالحال مع قضية الإمبريالية على سبيل المثال, فالجغرافيا السياسية مشربة بفكرة القومية كما أن مفهوم «الأمة» قد شاع في البحوث الجغرافية إلى حد بات فيه هذا المفهوم لا يمثل مشكلة بل إن الأمة والقومية صارتا من «المسلمات» في الكثير من الفروض التحليلية.

ولكن البعد الغائب هو أن هذه المسلمات والفروض لم تخضع للبحث وإعادة النظر ولذا فإن الكثيرين من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية كانوا يتأسون لندرة البحوث في موضوع حيوي هو القومية (أ . د سميث ١٩٧٩).

على أن هذا الوضع قد تبدل مع بداية ثمانينيات القرن العشرين عندما ظهرت نظريات جديدة عن القومية متضمنة إسهامات قيمة من علماء الجغرافيا السياسية حيث لم تعد «الأمة» و «القومية» من المسلمات التي لا تحتاج إلى النقاش والدرس في العلم الاجتماعي المعاصر بما في ذلك الجغرافيا السياسية.


الميراث الأيديولوجي

إن جل ما كتب عن القومية قد جاء بأقلام قوميين على درجة كبيرة من الإعتزاز بالذات وكانت النتيجة أن صار لدينا فيض من أدب القومية يفاخر فيه هذا وذاك بمناقب قومه.

ولكن هذه الأدبيات خالية من الرؤية المقارنة العلمية ويتهم سميث (١٩١:١٩٨٦) هؤلاء الكتاب بأنهم أخفقوا في الالتزام بقواعد البحث العلمي لأن «الموضوعية ليست داخلة في حساباتهم».

وهكذا خلف لنا هؤلاء القوميون نمطاً من الفكر التقليدي يفسر القومية كما لو كانت قوة تلقائية دافعة تحرك أحداث التاريخ وتمثل هذه الرؤية وجهة نظر قدر لها أن تحتل مركز الصدارة على المستويين الشعبي والأكاديمي ردحاً من الوقت (آجنيو: ١١٩٨٧).

وهدفنا في هذا القسم من البحث أن نكشف عن جوانب القصور الرئيسية في هذا الميراث إسهاماً في تحرير الجغرافيا السياسية من عقال هذا الاستحواذ.


كتاب الجغرافية السياسية لعالمنا المعاصر الجزء الثاني يتضمن الإقتصاد العالمي, الدولة القومية, المحليات للكاتبين بيتر تيلور و كولن فلنت و تمت ترجمة هذا الكتاب بواسطة الدكتور عبدالسلام رضوان و الدكتور إسحق عبيد.

الثورة الفرنسية بوتقة اختبار

إن الفكرة الحديثة عن الأمة والقومية تختلف عن كل تعبيرات الولاء والتبعية القديمة, إذ إنها تنصب في المقام الأول على «الشعب».

وقد ارتبط هذا المفهوم الجديد بمذهب العقلانية الذي ساد في المناخ الثقافي في أوروبا القرن الثامن عشـر. وكانت الخطوة الأولى في هذا النهج هي التشكيك في السلطة التي كانت تتمتع بها الذات الملكية كمصدر لسيادة الدولة.

وأصبح البديل المطروح أن تنتقل هذه السلطة السيادية من التاج إلى أيدي الشعب وقد وردت هذه الفكرة في أكثر التعبيرات السياسية. شهرة في العبارة الاستهلالية لدستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر سنة ١٨٨٧م: «نحن الشعب ... إلخ».

و إن كانت الولايات المتحدة لم تسم نفسها أمة في الأصل (بلنجتون 57:۱۹۸۰) وعلى العكس من ذلك ترد فكرة الشعب كركيزة مهورية. في الثورة الفرنسية: «لقد طرح مفهوم الأمة تعريفا ملموسا وعينيا وتعبيرا أكثر شمولا في الوقت ذاته عن الثورة.

لقد اكتسبت الثورة أبعادا مكانية ومن ثم تجسدت لا في المؤسسات الجمهورية المركبة وحدها بل أيضا في دوائر بسيطة متحدة المركز. وغدت حدود فرنسا نقطة أيديولوجية خارجية.

أما باريس فقد باتت القلعة الداخلية وأصبحت «الجمعية الوطنية» نقطة الاكتمال للسلطة داخل باريس نفسها» (بلنجتون ۱۹۸۰: 57 - ٥٨).

وقد ارتبطت هذه «الأمة» الفرنسية الجديدة بخاصيتي الوحدة والتمركز فهما منظومة لا تنفصم كما عبر عنها الثوريون في فرنسا. ولعل هذا ما جعل الساسة من مؤسسي الفيدرالية الأمريكية يتجنبون هذه الكلمة بوجه عام (هوبسـبـوم ١٩٩٠: ١٨٠).

ومع ذلك يمكن القول إن الثورة الفرنسية هي ۱۹۹۰: التي أدخلت مصطلح «الأمة» ككيان شعبي سياسي يملك زمام دولته في قاموس السياسة العالمية.

الدولة والأمة منذ العام 1945

ينظر إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية للعالم في أعقاب الحرب العالمية الأولى على أنها كانت تتويجا للواقع السياسي القومي بالنظر إلى الحركات القومية التي بدأت. في القرن التاسع عشر. غير أن القرن العشرين أيضا قد شهد ثمار حركات قومية عديدة خارج أوروبا. في أعقاب الحرب العالمية الثانية بدرجة أكبر بكثير عما تمخضت عنه الحرب العالمية الأولى.

ومع أن تصفية الاستعمار الأوروبي كانت العامل الأساسي في استقلال الكثير من الدول فإن تيار الحركات القومية في تلك البلدان قد. عجل بتصفية الاستعمار وقيام هذه الدول المستقلة.

كذلك جاء انهيار يوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي ليمهد لقيام دول مستقلة أخرى في القارة الأوروبية ويعني هذا أن دولا كثيرة قد ظهرت على خريطة العالم السياسي اليوم. خاصة في أعقاب سنة 1945م، ومن ثم فإنه يتحتم علينا إلقاء نظرة جديدة على الدولة والأمة من منظور عالمي، وليس من منظور أوروبي أو إقليمي.

حقوق السكان الأصليين

يتبين من تحليلات نيلسون (1985 جدول ۲- ۲ ، ۲ - ۳) للجماعات العرقية أن ما يقرب من نصفها (٢٨٩ جماعة تقريبا).

تقيم داخل حدود دول وتؤلف فيها نسبة تقل عن 10% من السكان وتقع القوميات الجديدة في أوروبا ضمن هذه المجموعة ومعها أيضا أقليات. السكان الأصليين في الولايات الأمريكية التي استوطنها الأوروبيون و أوقيانيا. الذين بعد أن حلت بهم الهزائم والمصائب.

أهملوا وهمشوا وخدعوا على أيدي السلطات الاستعمارية وكان المصدر الأساسي للصراع بين هؤلاء السكان والمستوطنين هو الأرض. ويظل ذلك هو المظلمة العملية الرئيسية للسكان الأصليين اليوم.

وفي السنوات الأخيرة وجد هؤلاء السكان الأصليون منابر يعبرون من خلالها عن نضالهم من أجل البقاء ومن أشهر هذه المنابر «المجلس العالمي للشعوب الأصلية».

هذا إلى جانب مساعي هيئة الأمم المتحدة في تبني قضايا هذه الشعوب والدفاع عنها. وفي سنة 1985م التقى أكثر من مائتين من ممثلي هذه الشعوب الأصلية. في حلقة نقاشية مع لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المعنية بالسكان الأصليين حول قضية. حقوق الإنسان بالنسبة لهذه الشعوب الأصلية تحديداًَ (نايت ۱۲۸:۱۹۸۸).

وفي هذا ما يشير إلى تزايد حجم هذه القضية وما يتصل بها من كفاح سياسي ويصعب علينا أن نرصد إحصائيات جيدة عن. أعداد هذه الجماعات أو الشعوب الأصلية وإن كان بيرجر (۳۷:۱۹۸۷) قد جمع بعض هذه الأرقام: ففي كندا هناك 800 ألف من. السكان الأصليين وفي الولايات المتحدة ٢٢ مليونا. وفي أمريكا اللاتينية 30 مليونا وفي أستراليا ٢٠٠ ألف. وفي نيوزلندا 400 ألف.

وهناك أيضا ملايين أخرى عدة في قارتي آسيا وأفريقيا لم يتم حصرها حتى الآن وفي جميع الأحوال فإن هذه الشعوب الأصلية تطالب بمجموعة مشابهة من الحقوق. أولها الحق في الاحتفاظ بهويتهم الثقافية ثم الحق في أرضهم ومواردها الطبيعية خاصة المياه.

والحق في تحمل المسؤولية عن شعوبهم وعن بيئتهم والحق في حكم أنفسهم وفق ما تعارف عليه المجتمع الدولي تحت شعار «حق الشعوب في تقرير مصيرها».

القومية والتنمية غير المتكافئة

لم تظهر القومية منعزلة عن التيارات الأخرى من حولها فإلى جانبها كظاهرة سياسية جديدة شهد القرن التاسع عشر أيضاً الكثير من التحولات الاقتصادية والاجتماعية. التي يمكن إجمالها ضمن تعبيري «التصنيع» ونمو المدن.

وهذه التطورات المتوازية ليست من بنات الصدفة بطبيعة الحال ولذا ينبغي علينا أن نبحث في الروابط التي تجمع بين هذه الظواهر جميعاً في مختلف السياقات.

ولقد وضع نارین (۱۹۷۷) مسترشداً بخطى جلنر (١٩٦٤) نموذجاً يجمع فيه بين هذه التحولات المتعددة ليخرج بنتيجة مؤداها أن القومية. هي نتاج لتيار «التحديث» الذي ساد أوروبا في القرن التاسع عشر.

ولكن هذا التحديث أو بمعنى أدق «النمو الاقتصادي» لم يكن عاما في كل بلدان أوروبا بشكل متساو إذ كانت دول أوروبا الغربية. أكثر تقدماً من بلدان شرق أوروبا وكان طبيعياً أن تكون الحركات القومية معبرة عن ردود. الفعل المعاصرة لهذه التنمية غير المتكافئة هنا وهناك.

ذلك أن المصالح التي ارتبطت بالبيئة الحضرية الصناعية الناشئة قد بدأت أصلاً في مناطق متاخمة للمناطق المنتعشة اقتصادياً. غير أنها لم تكن آنذاك قادرة على منافسة نقاط الإنتاج الأقدم في المركز التي كانت أكثر كفاءة ومراسا وكان يتحتم على هذه المناطق.

تحميل كتاب الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر PDF

لتحميل الكتاب يجب عليكم الضغط على زر التحميل ليتم تحويلكم لرابط التحميل بشكل مباشر من سيرفرات جوجل درايف.

محمد الصادق عثمان
بواسطة : محمد الصادق عثمان
محمد الصادق محمد عثمان طالب جامعي في جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -