أخر الاخبار

الإنسحاب و الأنتخاب معارك سوريا و اسرائيل في لبنان الجزء 5

كتاب الإنسحاب و الأنتخاب معارك سوريا و اسرائيل في لبنان

الإنسحاب و الأنتخاب معارك سوريا و اسرائيل في لبنان

عشرون يوما ويوم أمضاها بشير الجميل ومحبوه بين شهري آب وأيلول في منتهى السعادة والحبور. الأهداف تحققت بسرعة البرق ونتاج الزرع الذي استمر لسنوات كان حصادا وافرا. هزم كل الأعداء، السوريون والفسلطينيون وأنصارهم في لبنان من الشمال الى الجنوب.

 منظمة التحرير خرجت من بيروت الى غير رجعة، وهام عرفات وقادة المنظمة على وجوههم ينتقلون من شتات الى شتات، لقد تهدم ما بنوه خلال سنوات.

 تحولت أزمة لبنان قضية عالمية، وشغل ما يحصل في بيروت كل عواصم القرار في العالم. أرسلت الولايات المتحدة الأميركية جنود بحريتها، وأوفدت فرنسا مظلييها ، وأنزلت إيطاليا جنود لواء سان ماركو... إستنفرت الأساطيل وتحضرت البواخر والقوافل لإجلاء الفلسطينيين عن بيروت. ولأول مرة منذ رحيلهم عن فلسطين، غادر الفدائيون مرة جديدة الى المجهول.

 تملصت قبضة الرئيس حافظ الأسد الحديدية وساهمت المطرقة الإسرائيلية في إفلاتها عن رقبة الشقيق الصغير الذي تنفس الصعداء لأول مرة من سيطرة الشقيقة الكبرى منذ العام 1976 تاريخ دخول الجيش السوري الى لبنان.

معظم الأفرقاء اللبنانيين الذين داروا في فلك سوريا ومنظمة التحرير هزموا، وثبت الهزيمة وترجمها إنتخاب الإبن الثاني لبيار الجميل رئيسا للجمهورية بنصاب زائد واحد وفي قاعة المدرسة الحربية في الفياضية رغم كل المحاولات لإفقاد الجلسة نصابها.

الكثيرون من نواب الأمة رضخوا للأمر الواقع وساروا مع موجة بشير وإن عن غير قناعة، ولكنه اعتبر أن قربه من الحكم الجديد يؤمن له مكاسب ومصالح هو بحاجة إليها ولو لم يعجبه الطريق الذي سلكه الرئيس الجديد وكيفية وصوله الى سدة الرئاسة، حتى أن بعض النواب الذين كانوا في شمال لبنان وفي بيروت الغربية لكانوا سلكوا نفس طريق زملائهم لو أنهم في بيروت الشرقية.

بالنتيجة إنتخب بشير الجميل رئيسا للبنان، وبعد إنتخابه سلك مسار حزبه التاريخي في تبني الميثاق والتعايش وعدم إبعاد أو إلغاء أي مكون من مكونات لبنان، وأصبح هدفه فقط طرد كل الأغراب أيا كانوا واستعادة سيادة البلاد وحريتها. هذا ما أثار إستياء وغضب إسرائيل ورئيس وزرائها مناحيم بيغن الذي أحرج الرئيس الجديد في لقاء نهاريا الشهير مطالبا بالإسراع في توقيع إتفاقية سلام تحميه أمام الرأي العام الإسرائيلي أو بإطلاق الرئيس الجديد مواقف يشكر بها إسرائيل على ما قامت به تجاه لبنان.

طلب بشير الجميل من تل أبيب إنتظار تأليف حكومة لبنانية لتتّخذ هي القرار باسم كل لبنان وليصدق المجلس اللبناني على أي معاهدة صلح جديدة مع إسرائيل. سلك بشير الجميل طريق الوفاق الوطني وحاول الإتصال بزعماء الضفة الأخرى...

إلتقى الرئيس صائب سلام الذي قاطع الإنتخابات الرئاسية بعد خروج الفلسطينيين. كان بشير على وشك تأليف حكومة وفاق وطني قبل أن تخطفه يد أعادت كل شيء الى نقطة الإنطلاق لتفتح الأبواب من جديد أمام حروب ومآس وأوجاع.

توقيع الرحيل

بعد توقيع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات على إتفاق مغادرة بيروت وقبوله بشروط إجلاء مقاتليه بعد القصف التدميري في ١٢ آب، والذي اعتبره المسؤول الفلسطيني أبو موسى القشة التي قصمت ظهر البعير، وافقت إسرائيل على طلب المبعوث الأميركي فيليب حبيب وقف إطلاق النار على الفور.

كان رئيس الحكومة اللبنانية شفيق الوزان قد سلم ياسر عرفات خطة الاتفاق التي أعدها فيليب حبيب والتي نص أحد بنودها على أن يسلم السلاح الفلسطيني الثقيل إلى الجيش اللبناني، لكن عرفات أصدر أوامره لرجاله بتوزيع هذا السلاح على مختلف المنظمات اللبنانية التي كانت تسانده خلال الإجتياح وأثناء الحصار. فعرفات، الذي كان متخوفا من أن يغتنم الإسرائيليون الفرصة ويشنوا هجوما على بيروت، كان متأكدا من أن وزير الدفاع الاسرائيلي أرييل شارون قد يجتاح بيروت بعد انسحاب مقاتليه حتى ولو أدى الامر إلى خلاف مع الولايات المتحدة، ورغم ذلك حدد عرفات يوم ۲۰ آب موعدا لرحيل أول دفعة من الفدائيين. 

خديعة في رأس شارون

تخوف الاسرائيليون من خديعة فلسطينية في عملية الخروج، ويقول أربيل شارون في مذكراته: «كانت مهمتنا تقوم على التأكد من رحيل منظمة التحرير الفلسطينية وفق التعهد الذي قدمته لفيليب حبيب، وشكلت هذه المسألة مادة النقاش الحاد الذي دار في 15 آب بيني وبين بيغن وشامير وحبيب والسفير لويس ( السفير الاميركي في اسرائيل). كنا نعلم جميعا أن ياسر عرفات يضع خططا محددة تقوم على ترحيل جزء من قواته لانتهاك هذا الاتفاق، ووردتنا معلومات من مصادر موثوقة أن ما بين ألفين وألفين وخمسمئة عضو من منظمة التحرير الفلسطينية سوف يبقون في بيروت الغربية بعد أن تم تزويدهم بأوراق وهويات مزورة، ودفع لهم رواتب عن الأشهر الستة المقبلة». ويضيف شارون : «كانت منظمة التحرير الفلسطينية قررت ترحيل قرابة تسعة آلاف شخص، غير أن بين التسعة آلاف من هم ليسوا بالارهابيين الحقيقيين وعددهم ألفان أو ألفان وخمسمئة شخص وهؤلاء مدنيون أو رجال من ميليشيات أخرى، أي أنهم «ارهابيون اصطناعيون» على حد تسمية بيغن. ويتعين على الألفين والخمسمئة إرهابي الباقين في بيروت الحفاظ على شبكة سرية في هذه المدينة لتعكير الأجواء السياسية وتمهيد الطريق أمام إعادة انتشار الوجود الارهابي على نطاق واسع».

حاول الاسرائيليون معارضة ما اعتبروه خطة عرفات لإبقاء وجود فلسطيني مسلح في بيروت، وطرح جهاز أمان (۱) فكرة تقضي بالطلب من الاميركيين الحصول على لائحة بأسماء عناصر وكادرات منظمة التحرير الفلسطينية، لمقارنتها بلائحة يمكن لرئيس جهاز الأمن في القوات اللبنانية ايلي حبيقة تأمينها من المنظمة بشكل سري، على أن يتم الطلب من الأميركيين التحقق من هوية الفلسطينيين عند رحيلهم استنادا الى اللائحة السرية، وبالتالي يتمكن جهاز الأمن الاسرائيلي، بمساعدة زملائه الأميركيين واللبنانيين من التحقق من هوية الفلسطينيين الذين بقوا في بيروت بعد عملية الترحيل. لاقت خطة جهاز أمان رفض فيليب حبيب الذي قال للاسرائيليين ان بشير الجميل سيتكفل بهذه المهمة في ما بعد». وعندما طرح الامر على بشير اعتبر أن عددهم قد يكون أكبر بحيث تبقى مشكلة الوجود الفلسطيني المسلح ماثلة أمام الحكم الجديد، الى أن طرح السفير الاميركي في اسرائيل صموئيل لويس حلاً يقضي بأخذ بصمات جميع الفلسطينيين المغادرين لأن اللوائح التي قدموها قد تكون مغشوشة.

خطة إغتيال عرفات كان شارون

يطمح لتنفيذ عملية اغتيال ياسر عرفات وقادة منظمة التحرير الفلسطينية رغم توقيع تل أبيب على اتفاق خروجهم سلميا ورغم الضمانات الاميركية بذلك، وقد صارح وزير الدفاع الاسرائيلي بشير الجميل بذلك طالبا مساعدته للقضاء على عدوهما اللدود في الوقت الذي كان قائد القوات اللبنانية يستعد لتبؤ سدة الرئاسة، وكان كل همه خروج الفلسطينيين والسوريين من لبنان.

 توجه شارون الى بشير بالقول: «سيكون الأمر ممتازا إذا حاولنا القيام بشيء ضد عرفات وأصحابه قبل رحيلهم». 

تهيب بشير الفكرة التي طرحها وزير الدفاع الاسرائيلي وسأله اذا ما كان سيستخدم الطيران لتنفيذ عملية ضد عرفات وقادة المنظمة، فأجاب شارون: «تلقينا البارحة معلومات دقيقة، فانطلقت طائراتنا فورا، لكن تبين لساغي أن المعلومات لم تكن موثوقة مئة بالمئة، فأمرنا طائراتنا بأن تعود أدراجها. يجب أن نتبادل كل ما لدينا من معلومات كي نتصرف قبل رحيلهم. سيكون هذا أسهل علينا الآن لكونهم يشعرون بأنهم في أمان».

لم يتجاوب بشير والقوات اللبنانية مع هذا الطلب، إذ أن مقتل ياسر عرفات أو أحد قادة المنظمة كان سيخلق وضعا تتعذر السيطرة عليه، وقد يجهض كل المساعي لايصال قائد القوات اللبنانية الى رئاسة الجمهورية، وسينهار في لحظات كل ما بناه في سنوات. في 18 آب، قدم الرئيس الاميركي رونالد ريغان ضمانات شخصية للمقاتلين الفلسطينين بالحفاظ على أمن عائلاتهم إذا ما غادروا بيروت الى الدول العربية، ووافقت اسرائيل على اتفاق الخروج، كما وافقت الحكومة اللبنانية على المشروع القاضي بحل أزمة بيروت الغربية سلميا. في اليوم التالي، بدأت اسرائيل تحريك قواتها فخففت حصارها لغرب العاصمة وسمحت لمساعدات الصليب الأحمر بدخول المدينة، وأخلي جنودها في اليوم التالي المرفأ والمناطق المحيطة به، فتمركز مكانهم جنود الجيش اللبناني تمهيدا لوصول القوات المتعددة الجنسية المؤلفة من 800 جندي من قوات المارينز الاميركية، و1000 جندي فرنسي ونحو 500 جندي إيطالي وفق الخطة المتفق عليها لاجلاء الفلسطينيين تحت حماية دولية.

إطلاق الأسرى أو إستئناف التدمير

انقضى 19 آب في مفاوضات نهائية لترتيب التفاصيل الدقيقة، ولتطمين شارون، أعلن السفير الفرنسي في لبنان أن القوة الفرنسية ستنسحب فورا إذا لم تحترم روزنامة الإنسحاب الفلسطيني. في غضون ذلك، حاولت منظمة التحرير الفلسطينية مجددا الحصول على مكاسب مقابل تحرير أسيرين إسرائيليين ( الطيار اهارون اخيعاز والجندي رونيك آوش)، إضافة الى جثث تسعة جنود لديها ، لكن أرييل شارون رفض بشكل مطلق مطالبا بتحرير الأسيرين والجثث من دون شروط والا فالآلة العسكرية جاهزة لاستئناف عملها التدميري... امتثل الفلسطينيون لتهديده، وصباح ۲۰ آب عبرت شاحنة على متنها تسعة توابيت لجثث الجنود الاسرائيليين خط التماس على محور المرفأ، تلتها سيارتا إسعاف تابعة للصليب الأحمر الدولي تنقلان الاسيرين اهارون اخيعاز ورونيك آوش، لتحملهما فورا مروحية اسرائيلية إلى المطار العسكري شمال تل أبيب، حيث كان ينتظرهما رئيس الاركان الجنرال رفاييل إيتان وعائلتيهما.

اطلاق الأسرى و استئناف التدمير كتاب الإنسحاب و الأنتخاب معارك سوريا و اسرائيل في لبنان


عرفات خارج الحصار

عشية رحيله النهائي عن بيروت، قام رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات يرافقه رئيس الحكومة اللبنانية شفيق الوزان بجولة وداعية على الزعماء اللبنانيين الذين ساندوه خلال الحرب. وأقيمت لعرفات مراسم وداع تقام لرؤساء الدول. وللمرة الاولى، خرج رئيس الجمهورية عن التقليد وكلف اثنين لتمثيله في وداعه، هما رئيس الحكومة شفيق الوزان والوزير رينيه معوض... ويقول الرئيس الوزان: «كنت أقنعت الرئيس الياس سركيس بأن نودع عرفات بشكل رسمي وأصريت على أن يشترك في عملية الوداع وزير مسيحي ... ولما اعترض البعض على ذلك بحجة أن رئيس الحكومة يحجب ظهور أي شخصية أخرى ولا لزوم لأي وزير إذا كان رئيس الحكومة حاضرا... قلت للمعترضين: نحن لسنا في ظرف بروتوكولي، نحن في ظرف تاريخي... دولة فلسطين ستكون بعد سنة، أو بعد عشر سنوات أو بعد عشرين أو ثلاثين سنة، والشعب الفلسطيني مثل الشعب اللبناني مسيحي ومسلم... فوافق الرئيس سركيس على إرسال وزير مسيحي لتمثيله».

عرفات خارج الحصار كتاب الإنسحاب و الأنتخاب معارك سوريا و اسرائيل في لبنان


محمد الصادق عثمان
بواسطة : محمد الصادق عثمان
محمد الصادق محمد عثمان طالب جامعي في جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -